سورة الأحقاف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} من اليهود، {لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ} دين محمد صلى الله عليه وسلم {خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} يعني عبد الله بن سلام وأصحابه.
وقال قتادة: نزلت في مشركي مكة، قالوا: لو كان ما يدعونا إليه محمد خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان.
وقال الكلبي: الذين كفروا: أسد وغطفان، قالوا للذين آمنوا يعني: جهينة ومزينة: لو كان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقنا إليه رعاء البهم.
قال الله تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ} يعني بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان {فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} كما قالوا أساطير الأولين.
{وَمِنْ قَبْلِهِ} أي ومن قبل القرآن، {كِتَابُ مُوسَى} يعني التوراة، {إِمَامًا} يقتدى به، {وَرَحْمَةً} من الله لمن آمن به، ونُصِبَا على الحال عن الكسائي، وقال أبو عبيدة: فيه إضمار، أي جعلناه إمامًا ورحمة، وفي الكلام محذوف، تقديره: وتقدمه كتاب موسى إمامًا ولم يهتدوا به، كما قال في الآية الأولى: {وإذ لم يهتدوا به}.
{وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ} أي القرآن مصدق للكتب التي قبله، {لِسَانًا عَرَبِيًّا} نصب على الحال، وقيل بلسان عربي، {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} يعني مشركي مكة، قرأ أهل الحجاز والشام ويعقوب: {لتنذر} بالتاء على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ الآخرون بالياء يعني الكتاب، {وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} {وبشرى} في محل الرفع، أي هذا كتاب مصدق وبشرى.
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.


قوله عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} قرأ أهل الكوفة: {إحسانا} كقوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا} [البقرة- 83] {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} يريد شدة الطلق. قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو {كرها} بفتح الكاف فيهما، وقرأ الآخرون بضمهما. {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} فطامه، وقرأ يعقوب: {وفصله} بغير ألف، {ثَلاثُونَ شَهْرًا} يريد أقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر، وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرًا.
وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا، وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرًا {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} نهاية قوته، وغاية شبابه واستوائه، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة، فذلك قوله: {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}.
وقال السدي والضحاك: نزلت في سعد بن أبي وقاص، وقد مضت القصة.
وقال الآخرون: نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو.
قال علي بن أبي طالب: الآية نزلت في أبي بكر، أسلم أبواه جميعًا، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره، أوصاه الله بهما، ولزم ذلك من بعده.
وكان أبو بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة، في تجارة إلى الشام، فلما بلغ أربعين سنة ونبيء النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ودعا ربه فـ {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} ألهمني، {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} بالهداية والإيمان، {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} قال ابن عباس: وأجابه الله عز وجل، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئًا من الخير إلا أعانه الله عليه، ودعا أيضًا فقال: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} فأجابه الله، فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعًا، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعًا، فأدرك أبو قحافة النبي صلى الله عليه وسلم، وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة. قوله: {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا، وكلها حسن، والأحسن بمعنى الحسن، فيثيبهم عليها، {وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} فلا نعاقبهم عليها، قرأ حمزة والكسائي وحفص {نتقبل} {ونتجاوز} بالنون، {أحسنَ} نصب، وقرأ الآخرون بالياء، وضمها {أحسنُ} رفع. {فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} مع أصحاب الجنة، {وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} وهو قوله عز وجل: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} [التوبة- 72].
{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ} إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث، {أُفٍّ لَكُمَا} وهي كلمة كراهية، {أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} من قبري حيًا، {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} فلم يبعث منهم أحد، {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} يستصرخان ويستغيثان الله عليه، ويقولان له: {وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا} ما هذا الذي تدعواني إليه، {إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} قال ابن عباس والسدي، ومجاهد: نزلت في عبد الله.
وقيل: في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه، كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام وهو يأبى، ويقول: أحيوا لي عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون.
وأنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون هذا في عبد الرحمن بن أبي بكر.
والصحيح أنها نزلت في كافر عاق لوالديه، قاله الحسن وقتادة.
وقال الزجاج: قول من قال إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه، يبطله قوله:


{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} فيقال لهم: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب: {أأذهبتم}، بالاستفهام ويهمز ابن عامر همزتين، والآخرون بلا استفهام على الخبر، وكلاهما فصيحان، لأن العرب تستفهم بالتوبيخ، وترك الاستفهام فتقول: أذهبت ففعلت كذا؟ {وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} يقول: أذهبتم طيباتكم يعني اللذات وتمتعتم بها؟ {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} أي العذاب الذي فيه ذل وخزي، {بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} تتكبرون {فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} فلما وبخ الله الكافرين بالتمتع بالطيبات في الدنيا آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة.
وروينا عن عمر قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر الرمال بجنبه، فقلت: يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله، فقال: «أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا».
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، ثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث، عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن المنصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارًا وما هو إلا الماء والتمر، غير أن جزى الله نساءً من الأنصار خيرًا، كن ربما أهدين لنا شيئًا من اللبن.
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويًا، وأهله لا يجدون عشاءً، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير.
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، حدثنا أبو عيسى، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا روح بن أسلم، حدثنا أبو حاتم البصري، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة أنه قال: لقد رأيت سبعين من أصحاب الصُّفَّة ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني، حدثنا أبو طاهر محمد بن الحارث، حدثنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن مبارك، عن شعبة بن الحجاج، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم أن عبدالرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائمًا، فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه، قال: وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا بردة، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
وقال جابر بن عبد الله: رأى عمر بن الخطاب لحمًا معلقًا في يدي، فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت: اشتهيت لحمًا فاشتريته، فقال عمر: أو كلما اشتهيت شيئًا يا جابر اشتريت، أما تخاف هذه الآية: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا}.

1 | 2 | 3 | 4